سورة آل عمران - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


قوله تعالى: {شهد الله أنه لا إِله إِلا هو} سبب نزول هذه الآية أن حبرين من أحبار الشام قدما النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أبصرا المدينة، قال أحدهما لصاحبه: ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي الذي يخرج في آخر الزمان، فلما دخلا على النبي صلى الله عليه وسلم، عرفاه بالصفة، فقالا: أنت محمد؟ قال: «نعم». قالا: وأحمد؟ قال: «نعم». قالا: نسألك عن شهادة، فان أخبرتنا بها، آمنا بك، وصدقناك فقال: «سلاني». فقالا: أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله، فنزلت هذه الآية، فأسلما، قاله ابن السائب، وقال غيره: هذه الآية رد على نصارى نجران فيما ادعوا في عيسى عليه السلام، وقد سبق ذكر خبرهم في أول السورة، وقال سعيد بن جبير، كان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً، وكان لكل حي من العرب صنم أو صنمان، فلما نزلت هذا الآية، خرّت الأصنام سجداً. وفي معنى {شهد الله} قولان. أحدهما: أنه بمعنى قضى وحكم، قاله مجاهد، والفراء، وأبو عبيدة. والثاني: بمعنى بيّن، قاله ثعلب والزجاج، قال ابن كيسان: شهد الله بتدبيره العجيب، وأموره المحكمات عند خلقه، أنه لا إله إلا هو، وسئل بعض الأعراب: ما الدليل على وجود الصانع؟ فقال إن البعرة تدل على البعير، وآثار القدم تدل على المسير، فهيكل علوي بهذه اللطافة، ومركز سفلي بهذه الكثافة، أما يدلان على الصانع الخبير؟! وقرأ ابن مسعود، وأبيّ بن كعب، وابن السميفع، وعاصم الجحدري، {شهداء الله} بضم الشين، وفتح الهاء والدال وبهمزة مرفوعة بعد المد، وخفض الهاء من اسم الله تعالى {قائماً بالقسط} أي: بالعدل. قال جعفر الصادق: وإنما كرر {لا إِله إِلا هو} لأن الأولى وصف وتوحيد، والثانية رسم وتعليم، أي: قولوا: لا إله إلا هو.


قوله تعالى: {إن الدين عند الله الإِسلام} الجمهور على كسر {إِن} إِلا الكسائي، فإنه فتح الألف، وهي قراءة ابن مسعود، وابن عباس، وأبي رزين، وأبي العالية، وقتادة. قال أبو سليمان الدمشقي: لما ادعت اليهود أنه لا دين أفضل من اليهودية، وادعت النصارى أنه لا دين أفضل من النصرانية، نزلت هذه الآية. قال الزجاج: الدين: اسم لجميع ما تعبد الله به خلقه، وأمرهم بالإقامة عليه، وأن يكون عادتهم، وبه يجزيهم. وقال شيخنا علي بن عبيد الله: الدين: ما التزمه العبد لله عز وجل. قال ابن قتيبة، والإسلام الدخول في السلم، أي: في الانقياد والمتابعة، ومثله الاستسلام، يقال: سلم فلان لأمرك، واستسلم، وأسلم، كما تقول: أشتى الرجل، أي: دخل في الشتاء، وأربع: دخل في الربيع. وفي الذين أوتوا الكتاب ثلاثة أقوال. أحدها: أنهم اليهود، قاله الربيع. والثاني: أنهم النصارى، قاله محمد بن جعفر بن الزبير. والثالث: أنهم اليهود، والنصارى، قاله ابن السائب. وقيل: الكتاب هاهنا: اسم جنس بمعنى الكتب. وفي الذين اختلفوا فيه أربعة أقوال. أحدها: دينهم. والثاني: أمر عيسى. والثالث: دين الإسلام، وقد عرفوا صحته. والرابع: نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد عرفوا صفته. قوله تعالى: {إِلا من بعد ما جاءهم العلم} أي: الإيضاح لما اختلفوا فيه {بغياً بينهم} قال الزجاج: معناه: اختلفوا للبغي، لا لقصد البرهان، وقد ذكرنا في البقرة معنى: سريع الحساب.


قوله تعالى: {فان حاجوك} أي: جادلوك، وخاصموك. قال مقاتل: يعني اليهود، وقال ابن جرير: يعني نصارى نجران في أمر عيسى، وقال غيرهما: اليهود والنصارى. {فقل أسلمت وجهي لله} قال الفراء: معناه: أخلصت عملي، وقال الزجاج: قصدت بعبادتي إلى الله.
قوله تعالى: {ومن اتبعن} أثبت الياء في الوصل دون الوقف أهل المدينة والبصرة، وابن شنبوذ عن قنبل، ووقف ابن شنبوذ ويعقوب بياء. قال الزجاج: والأحب إِلىَّ اتباع المصحف. وما حذف من الياءات في مثل قوله تعالى: {ومن اتبعن} و{لئن أخرتن} و{ربي أكرمن} و{ربي أهانن}. فهو على ضربين. أحدهما: ما كان مع النون، فإن كان رأس آية، فأهل اللغة يجيزون حذف الياء، ويسمون أواخر الآي الفواصل، كما أجازوا ذلك في الشعر.
قال الأعشى:
ومن شانئ كاسف باله *** إذا ما انتسبت له أنكرن
وهل يمنعني ارتيادي البلا *** د من حذر الموت أن يأتين
فأما إذا لم يكن آخر آية أو قافية، فالأكثر إثبات الياء، وحذفها جيد أيضاً، خاصة مع النونات، لأن أصل {اتبعني} اتبعي ولكن النون زيدت لتسلم فتحة العين، فالكسرة مع النون تنوب عن الياء، فأما إذا لم تكن النون، نحو غلامي وصاحبي، فالأجود إثباتها، وحذفها عند عدم النون جائز على قلته، تقول: هذا غلام، قد جاء غلاميَ، وغلاميْ بفتح الياء وإسكانها، فجاز الحذف، لأن الكسرة تدل عليها.
قوله تعالى: {وقل للذين أوتوا الكتاب} يريد اليهود والنصارى {والأميين} بمعنى مشركي العرب، وقد سبق في البقرة شرح هذا الاسم.
قوله تعالى: {ءَأسلمتم} قال الفراء: هو استفهام ومعناه الأمر، كقوله تعالى {فهل أنتم منتهون} [المائدة 91].
فصل:
اختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية، فذهبت طائفة إلى أنها محكمة، وأن المراد بها تسكين نفس النبي صلى الله عليه وسلم عند امتناع من لم يجبه، لأنه كان يحرص على إيمانهم، ويتألم من تركهم الإجابة. وذهبت طائفة إلى أن المراد بها الاقتصار على التبليغ، وهذا منسوخ بآيه السيف.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8